الأحد، 11 أكتوبر 2015

وصفه أهل زمانه بأنه مالئ الدنيا وشاغل الناس
           أبو الطيب المتنبي   
           أبو الطيب المتنبي    -
(915-965 ميلادي)(303-354هجري)
ما زال يملأ الدنيا ويشغل الناس رغم مرور أكثر من الف عام على ولادته وإبداعه
اسمه ونسبه: احمد بن الحسن الجعفي ,ابو الطيب الكندي الكوفي, أعظم شعراء العرب ,واكثرهم تعمقاً باللغة العربية وتمكناً بقواعدها وإلماماً بمفردتها,كان يخشى لسانه الجميع وعلى رأسهم الحكام والأمراء
قيل أنه  لُقب بالمتنبي لأدعائه الُنبوة وكان يُعرِّف عن نفسه بهذا اللقب  وليس باسمه, إذ  لقي  مرة رجل زنجي , فقال له : ما اسمك ؟
قال : زيتون 
فسأله الزنجي : وأنت ما اسمك؟ 
قال : المتنبي ...
فرد  الزنجي : 
يا لعنـة الله صبـي .... على لحية المتنبـي
إن كنت أنت نبـي .... فالقرد لا شك ربي !
ولكن هناك كثير من المؤرخين يرجعون هذه التسمية الى النَبْوَة وهي العلو والأرتفاع والترفع.
ولادته وحياته: ولد المتنبي في الكوفة في العراق,وتنقل بين العديد من البلاد العربية يبحث عن المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده,عاش أفضل أيام حياته ,وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في إمارة حلب العربية,وكان مميزاً فيها عن غيره من الشعراء ,لدرجة أنه كان يلقي شعره جالساً بين يدي الأمير, وكان سيف الدولة يشاركه طموحاته ويقربه منه إلى أن بدأت بعض الهمسات تأتيه عن الملك,بأنه غير راضٍ عنه, وكذلك عنه الى الملك,مما رسم صورة في ذهن كل منهما- قد تكون وهمية- إلا أنها جعلت علاقتهما تسوء
وذات يوم اعتدى ابن خالوية على المتنبي برميه دواة الحبر في وجهه بحضور سيف الدولة,مما جرح كبرياء المتنبي وأصابه بخيبة أمل جعلته يعتزم الرحيل .
ويقال أن جفاء وقسوة سيف الدولة عليه يعود لعدة أسباب أهمها حب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي وذكر حسن مبسمها,وهذا ما لا يليق برثاء بنات الملوك
                                                                                                                                     


 تمثال المتنبي في شارع المتنبي في العراق
فارق أبو الطيب بلاط الدولة دون حقد أو كره لأهلها,وإنما للجو المشحون السائد آنذاك فيها,تنقل بين عدة دول إلى أن استقر في مصر لردح من الزمن, وكان حاكمها في ذلك الوقت كافور الأخشيدي ,الذي لم يشارك المتنبي طموحاته ولم يكرمه ,فهجاه بقصائد مات كافور واندثر وما زالت الكلمات خالدة الى يومنا هذا , ومما جاء فيها :

مِن أَيَّةِ الطُرقِ يَأتي نَحوَكَ الكَرَمُ " 
                   "
أَينَ المَحاجِمُ يا كافورُ وَالجَلَمُ 
جازَ الأُلى مَلَكَت كَفّاكَ قَدرَهُمُ " 
                   "
فَعُرِّفوا بِكَ أَنَّ الكَلبَ فَوقَهُمُ 
لا شَيءَ أَقبَحُ مِن فَحلٍ لَهُ ذَكَرٌ " 
                   "
تَقودُهُ أَمَةٌ لَيسَت لَها رَحِمُ 
ساداتُ كُلِّ أُناسٍ مِن نُفوسِهِمِ " 
                   "
وَسادَةُ المُسلِمينَ الأَعبُدُ القَزَمُ 
أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم " 
                     
يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ 
وقال أيضاً فيه :
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها     فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ          لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ      إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَن     يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ

ولم ينسَ أبو الطيب خلال هذه الفترة سيف الدولة وما انفك يقول فيه قصائد عتاب ممزوجة بإعجابه وثقته بنفسه مثل :
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي    وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها     وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي      حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إِذا نَظَرتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَة      لا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ مُبتَسِمُ
وَمُهجَةٍ مُهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها   أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ  وَفِعلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ   حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ
فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني    وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
إضافة الى ذلك كان المتنبي شاعر حكيم تعتبر بعض أقواله أمثال خالدة ونظريات حياة متصلة بالنفس الإنسانية مثل قوله: فَالْمَوْتُ آتٍ وَالنُّفوسُ نَفَائِس  والْمَسْتَعـِزُّ بِمَا لَدَيْهِ الأَحْمَقُ
والْمَـرْءُ يَأْمُلُ والْحَيَاةُ شَهِيَّةٌ      وَالشَّيْبُ أَوْقَـرُ والشَّبيبةُ أنزَقُ
عاد ابو الطيب الى الكوفة وكان قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي بقصيدة جاء فيها :

ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه   وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه
رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ      وَباكَوا الأُمَّ غُلبَه
وَما عَلَيكَ مِنَ القَت    لِ إِنَّما هِيَ ضَربَه
وَما عَلَيكَ مِنَ الغَد     رِ إِنَّما هُوَ سُبَّه
وَما يَشُقُّ عَلى الكَل     بِ أَن يَكونَ اِبنَ كَلبَه
ما ضَرَّها مَن أَتاها       وَإِنَّما ضَرَّ صُلبَه

كان في طريقه الى الكوفة مع ابنه محمد وغلامه مفلح وآخرين ,وحين قطع طريقهم جمع من الفرسان على رأسهم فاتك ابن أبي جهل الأسدي -خال ضبة- وتقاتل الفريقان ,وإذ بالمتنبي يجد طريقه للفرار ,إلا أن غلامه مفلح استوقفه وقال له:
أتهرب وأنت القائل : الخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني    وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
فرد عليه قائلاً : قتلتني قتلك الله
ولقي حتفه مع ابنه وغلامه في هذا القتال بالقرب من دير العاقول غرب بغداد,إلا أنه مازال يملأ الدنيا ويشغل الناس بشعره وقصائده الخالدة الى يومنا هذا.

                                                                                      أعداد: ابراهيم هنداوي